وعندما يبلغ هذا الطفل السابعة من عمره تقريبا، ينصح الأهل بأن يبذلوا بعض الجهد، لإتاحة الفرصة له ليختلط مع غيره من الأطفال، وأن يعرفوه على مختلف النشاطات المتوفرة، حتى إذا ما لاحظوا ميله واهتمامه بنشاط ما، شجعوه على ممارسته، ولكن مع الحرص على عدم الإصرار، والامتناع عن تعريضه لأي ضغط إذا ما رفض ذلك. وأحب أن أكرر أن طريقة التشجيع مهمة جدا يجب أو تكون بأسلوب إيجابي ومدروس، فمثلا يفضل أن تقول له: "الآن جاء دورك لكي تشترك مع بقية الأولاد في هذه اللعبة الممتعة". بدلا من سؤاله: "هل تحب أن تشترك؟".
ففي الصيغة الأولى جملة فيها قرار إيجابي، وفي الوقت نفسه يمكن عدها اقتراحا يحمل توقعات إيجابية ويرجح ردا إيجابيا، بينما السؤال يساوي بين الاحتمالين السلبي والإيجابي.
للأسف ليس هناك أية صيغة سحرية تضمن لنا تجاوب الأطفال معنا، لذا عليك أن تكون مستعدا لأي جواب سلبي دون الإصابة بخيبة أمل! وإذا ما سمعت جوابه السلبي معلنا الرفض! فاتركه ولا تحاول أن تجبره أو تضغط عليه، وقل له: "حسنا، يظهر أنك تفضل أن تتفرج الآن، أخبرني عندما تريد أن تشترك معهم". هذا على الأقل سيدفعه إلى أن يبدأ بالتفكير في المشاركة الفعلية.
يتمتع هذا الطفل بموهبة خاصة في مواساة الآخرين، وفي التخفيف عنهم في أوقات الشدة، ويهتم بأصدقائه ويبذل جهده لمساندتهم ودعمهم عاطفيا عند الحاجة. وأكثر ما يكره هذا الطفل أن يقاطعه أحد، ونراه ينتبه إلى أصغر التفاصيل الدقيقة ويعيرها انتباهه واهتمامه ووقته.
هذا الطفل المسالم يستطيع أن يكتب غضبه، ولديه القدرة والمهارة على تجاوز المصاعب. ويتقدم ويتحرك ببطء، ولكن بخطأ ثابتة وصلبة. ويجب على الأبوين والمربين الانتباه إلى هذا الطفل، لأنه من السهل جدا إهماله دون قصد، وذلك بسبب طبيعته الهادئة وقلة متطلباته.
4- الطفل المتجاوب:
يتصف هذا الطفل بأنه اجتماعي جدا، ويحب النشاطات خارج المنزل، يرى نفسه من خلال نظرة الآخرين إليه، يبحث عن الجديد، وتتوق نفسه إلى تجربة أي شيء يثير اهتمامه، ولديه في أعماقه دافع قوي، يوجهه لرؤية وسماع وتذوق وتجربة أي شيء يجده في المجتمع، أما اهتماماته، فهي عديدة ومتنوعة، وهو يحتاج دائما إلى ما يثير انتباهه، وإلى ما ينشطه عقليا وجسديا.
الطفل المتجاوب هو طفل سعيد خفيف الظل، يتغذى بصور الحياة وما فيها من تغيرات متنوعة، والحياة بالنسبة إليه مغامرة شيقة، وهو اجتماعي ومحدث، ماهر، يصادق بسهولة لذا يكون لديه العديد من العلاقات السطحية، والتي لن يؤثر عليه سلبيا إذا ما أخفقت، وهو يحمل مشاعر الحب والود للجميع بدون استثناء ولا يحقد على أحد.
هذا الطفل يحب التغيير والتجديد، ويكره التركيز على شيء واحد، بل ويعجز عنه، ومع كل تجربة جديدة يخوضها نكتشف جزءا جديدا منه، ومع كل وضع جديد يتجدد نشاطه وتبعث فيه الحياة.
حب هذا الطفل للتغيير، يحول دونه ودون إنهاء أعماله، فكثيرا ما يبدأ بعمل شيء ما ثم يتوقف، لينتقل إلى عمل شيء آخر، قبل أن ينجزه. مثله مثل الفراشة، يتنقل من نشاط إلى آخر، ليتذوق من طعم كل الورود والأزهار، بل والأشواك الوالدان للقلق بالسيطرة عليهما، فالفوضى جزء من طريقة هذا النوع من الأطفال في التعلم، واكتساب الخبرة.
لكن طريقته الفوضوية في الحياة، لا بد أن تجر معها بعض المتاعب، فنراه مثلا يجد صعوبة في إيجاد ما يبحث عنه بين أشيائه المبعثرة هنا وهناك، أو يتعسر عليه ترتيب أموره المتشابكة، وكثيرا ما ينسى ما قد تطلب منه، لذا يجب أن تكرر طلبك أكثر من مرة كي يستجيب لك، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد بل عليك تقديم مساعدتك له للقيام بما تطلبه منه، فمثلا لا تتوقع منه أن يرتب غرفته دون أن تمد له يد العون، فتعاون معه من فضلك.
يعيش هذا الطفل في عالم خيالي سحري حتى حوالي سن التاسعة، وقد تراه يتكلم مع نفسه، ويقضي وقتا طويلا يلعب مع شخص خيالي من صنعه، فلا تقلق لذلك، ودعه يعيش عالمه هذا ويستمتع به، فهو سرعان ما سيدخل إلى العالم الحقيقين وسيتأقلم كما تأقلم غيره من الأطفال.
يتأثر هذا الطفل المتجاوب بما يسمع وبما يرى بشكل أعمق من غيره من الأطفال، فعليك الانتباه إلى هذه النقطة، فمثلا إذا سمع أن البوليس يبحث عن مجرم ما، فإنه سيخاف ويتوتر وسيشعر بالخطر، ويظن أن كل الناس في خطر، وإذا ما حاولت أن تتكلم معه بشكل منطقي وقلت له مثلا: "لا تخف فإننا نعيش في منطقة آمنة"، فإنك لن تستطيع أن تغير من رأيه شيئا. بينما إذا قلت له مثلا: "لا تخف سأصلي لكي تكون آمنا" فهو عندئذ يشعر بالأمان. لذا ينصح بحماية هؤلاء الأطفال من سماع ورؤية الأخبار المخيفة والتي تجري في هذا العالم.
الطفل المتجاوب مثله مثل الطفل الحساس، يميل إلى رسم وتصميم صور خاصة به في مخيلته للقصص التي يسمعها أو يقرؤها، فتتنشط طاقته في الإبداع، وهذا ما لا يوفره له التفاز الذي يقدم الصورة مع الخبر، لاغيا بذلك حاجة الطفل لاستعمال مخيلته مما يسبب إضعافها.
قد يجب الأب/ الأم أن هذا الابن المتجاوب ينسى كثيرا، وهذا طبيعي، لأن عقله مشتت هنا وهناك، فيجب ألا تنهره على ذلك أو توبخه وإلا زادت هذه المشكلة سوءا، ومع الوقت يتعلم كيف ينتبه أكثر إلى ما يقال له، ويركز على ما يقوله أو يفعله.
يحتاج هذا الطفل إلى حرية التصرف والعمل حسب طريقته الخاصة، لذا يميل إلى الرفض والتمرد عندما يفرض عليه أمر، فمثلا قد يرفض وبإصرار ارتداء معطفه عندما يأمره بذلك أبوه أو أمه، وأحيانا قد يثور غضبه بسهولة، خاصة عندما يطلب من القيام بشيء لا يحبه أو لا يجاري رغباته.
أكثر ما يحتاج إليه هذا الطفل هو التوجيه والتخطيط، فيمكن استعمال التوجيه والتخطيط بشكل إيجابي لتجنب رفضه واعتراضاته وخلق روح التعاون لديه.
إذا خلقت الفرصة لهذا الطفل كي يحقق ما بداخله من رغبات، ووفرت له إمكانية النشاط في مختلف المجالات المتوعة حتى تتسنى له تجربتها واختبارها، فإن ذلك يساعد على تحسين قابليته للتركيز الفكري، والنظر بتعمق إلى الأمور، ومع الوقت يتعلم هذا الابن/ الابنة كيف يكمل ما بدأ، وتتبلور لديه الرغبة في إنجاز ما يقوم به من أعمال، ويبدأ بتذوق حلاوة الإنجاز، بدل الاستمتاع بالقفز من نشاط إلى آخر دون إنجاز ملموس، وهذا- لاشك- من أهم التطورات الإيجابية لهذا الطفل.
أما إذا أهمل هذا الطفل ولم يتلق العناية الضرورية، فإنه، وكشخص بالغ، سيجد مسؤولية الحياة أكبر مما يستطيع تحمله، مما قد يدفعه إلى ضرب الأمور عرض الحائط، ويزداد إهمالا وفوضوية، ويرفض الاعتراف بما عليه من مسؤوليات ويتجاهلها