إنّ ما يراه معظم الباحثين المهتمين بقضايا العبقرية والنبوغ حاليا هو أن الذكاء الحاد يأتي بسبب جينات خاصة من نوعها، وأن عوامل مثل العوامل النفسية أو الجهود التي يبذلها الإنسان في تطوير ذاته هي عوامل محدودة الأثر، ولعلك لا تجد بينهم أحدا يرى أن الأداء العبقري في أي مجال من المجالات يمكن اكتسابه لأي شخص يرغب ذلك. نشأتــــــــــــه توماس أديسون (1847 – 1931م) مخترع أمريكي ولد في مدينة - ميلانو- بولاية ( أوهايو) الأمريكية، ولم يتعلم في مدارس الدولة إلا بضعة أشهر فقط، فقد وجدته المدرسة طفلا غبياً لا يصلح للتعليم مطلقا..! ، ولو تمكن أحد من قراءة طالعه مرةً ، لكان وفر عليه عناء ومشقة حياته الحافلة بالمصاعب ، ولكن من يدري ..! فقد يكون مقدراً للعباقرة دائما العناء . يعتبر أحد أعظم المخترعين في العالم ظهرت عبقريته في صباه مبكراً في الاختراع ، أقام مشغله الخاص داخل عربة قطارالذي أظهر سيرته المدهشة كمخترع وأجاد شفرة مورس قبل أن يتم العاشرة من عمرة ، ومن اختراعاته مسجلات الإقتراع والبارق الطابع والهاتف الناقل الفحمي والمكرفون والفونوغراف أو الفرامافون واعظم اختراعاته على الإطلاق هو المصباح الكهربائي، وأنتج في السنوات الأخيرة من حياته الصور المتحركة الناطقة، وطور تجارب سكة الحديد الكهربائية ، وعمل خلال الحرب العالمية الأولى لصالح الحكومة الأمريكية، وقد سجل أديسون باسمه أكثر من ألف اختراع وهو عدد لا يصدقه العقل، وتزوج أديسون مرتين وقد ماتت زوجته وهي صغيرة، وكان له ثلاثة أولاد من كل زوجة، أما هو فقد مات في نيوجرسي سنة 1931م، وقد أطفأت أمريكا كل مصابيحها حدادا ليلة وفاته . حياتــــه ونشاطاتــه حين حرمته المدرسة من مواصلة التعلم أدركت أمه أن حكم المدرسة على ابنها كان حكماً جائراً وخاطئاً فعلمته بالمنزل فأظهر شغفاً شديداً بالمعرفة وأبدى نضجاً واضحاً مبكراً، ففي طفولته وصباه كان يقرأ في أمهات الكتب من أمثال كتاب (انحلال الامبراطورية الرومانية وسقوطها) لكاتبه ( ادوارد جيبون) وهذا دليل واضح على النضج المبكر، فهذا الكتاب من أشهر المراجع التاريخية الضخمة والجادة وهذا يؤكد أن عقل أديسون كان أكثر نضجاً وانفذ بصيرة من المدرسة بمديرها ومعلميها التي ضاقت بكثرة أسئلته فاستنتجت بأن كثرة الأسئلة دليلٌ على قصور الفهم وأنه برهانٌ على الغباء رغم أن العكس هو الصحيح فكثرة الأسئلة تدل على يقظة العقل واستقلال التفكير واستمرار الدهشة.. إن حرقة الأسئلة والشغف بالمعرفة والحماسة للإدراك والاستقلال في التفكير هي الصفات التي تميز أهل النبوغ ولقد جاء في كتاب (مشاهير رجال العلم) لبولتون : ((..كان أديسون في صباه شديد الحب للاستطلاع فمنذ أن تعلَّم الكلام راح يطرح الأسئلة طوال النهار فكان يقصد محلات بناء السفن فيستفسر عن وجه استعمال كل آلة من الآلات وكان يقضي الساعات الطوال في نسخ اللافتات المعلقة على واجهات المخازن.. وكانت تجاربه أكثر أوجه نشاطه أهمية فأنشأ لنفسه مختبراً كيميائياً ففي الاسطبل انتصبت صفوف من القوارير تحمل كلٌ منها علامة وسرعان ما تبين له أنه يحتاج إلى المال لتمويل مختبره فاستأذن والديه بأن يتجول لبيع الصحف والحلويات ثم ابتاع أحرفاً للطباعة وشرع بإصدار صحيفة!..)) كل هذا وهو ما يزال صبياً صغيراً . ولقد كادت تجاربه في مجال الكيمياء أن تذهب بحياته ، فقد اشتعل المختبر وهو غارق فيه وكادت النيران أن تلتهمه وانتهت هذه الواقعة باصابته بشيء من الصمم ويقول لينارد فالنج في كتابه ( آباء الصناعة ) : (( ويعتقد بعض الناس أن عاهة المخترع (الصمم) قد مكنته من التفكير بطريقة أحسن لاستبعاد المعوقات الخارجية ولتجنب الوقت الضائع في الاستماع إلى الكلام التافه!!..)) فالنابهون تزداد نباهتهم كلما تخلصوا من البرمجة الاجتماعية، وعدم التلوث بالتفاهات لأن مواهبهم تبقى نقية ومتفتحة ونامية لذلك فهم في الغالب يؤثرون العزلة ويعيشون بالقراءة والتأمل مع أحكم وأذكى البشر، وقد اعتاد توماس على تقبل قدره فى الحياة والتكيف معه ...لقد اعتبر هذا الصمت من حوله فرصة لتنمية قدراته على التركيز .. *حدث انه فى احد لحظات تواجده فى محطة القطار أن رأى طفلا يكاد يسقط على القضبان فقفز المراهق الشاب لينقذه بدون حتى ان يعلم انه ابن رئيس المحطة ...وكمكافأة لهذه الشجاعة النادرة عينه الرجل فى مكتب التلغراف وعلمه قواعد لغة مورس ، فتحوَّل اهتمامه بعدها إلى مجال الكهرباء وبعد تدريب قصير تعلم مهنة إرسال البرقيات فحصل على وظيفة مناوب ليلي لكن شغفه بالمعرفة جعله يستغرق بالقراءة ولأنه مطلوب منه أن يرسل إشارة كل ساعة للدلالة على انتظامه بعمله ولئلا يكتشف رؤساؤه انشغاله بالقراءة عن عمله فقد ابتكر جهازاً يرسل الإشارات آلياً كل ساعة ليعفيه من تكرار الإرسال حتى ينصرف للقراءة . كانت فرصة اديسون الكبرى فى ان يجرب تطوير هذا الشئ الذى بين يديه مما نتج عنه اول اختراعاته ..التلغراف الآلــــــي ..اى الذى لا يحتاج الى شخص فى الجهه الأخرى لإستقباله بل يترجم العلامات بنفسه الى كلمات مرة اخرى ولكن رئيسه اكتشف الحيلة وبقدر ما أعجبه الاختراع إلا أنه ساءه إهمال العمل فعزله من الوظيفة وكان آنذاك في السادسة عشرة من العمر فتحول إلى عامل تلغراف متجول وكان يقتات من محصوله وما بقي يشتري به الكتب المستعملة وخَطَر له أنه لن يُشبع نهمه من المعرفة حتى يقرأ مكتبة كاملة وعكف في إحدى المكتبات لكنه اضطر إلى العدول عن الفكرة لصعوبة تحقيقها إضافة إلى أنه إذا حبس نفسه للقراءة فلن يجد ما يأكله. وفي الحادية والعشرين من عمره شعر بأن التحول الدائم قد أنهكه فالتحق بالعمل لدى إحدى الشركات كعامل تلغراف فاخترع مصيدة كهربائية للصراصير في مقر الشركة فنشرت الصحف صور المقر والاختراع والصراصير فاستاءت الشركة من إظهار مقرها وهو مأهول بهذه الحشرات ففصلته من العمل فانصرف كلياً إلى الاختراع . *كان اختراع الحاكي ( المسجل) هو أول اختراع يحصل على براءة اختراعه ويُسجَّل باسمه ، لكنه لم يجد رواجاً فتركه ولم يواصل العمل في هذا المجال غير أنه أدرك أن المضاربين بالذهب يحتاجون جهازاً يوفر لهم على اختلاف مواقعهم معلومات فورية عن ارتفاع أو انخفاض سعر الذهب فاخترع آلة للتخابر تلغرافياً عن أسعار البورصة وباع هذا الاختراع بمبلغ أربعين ألف دولار وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت وبذلك ودَّع أيام الجوع واستغنى عن النوم في الأمكنة الخلفية القذرة واستطاع أن يتفرغ للاختراع وأن ينشئ معملاً كبيراً في نيويورك كان فاتحة المعامل والمختبرات للشركات والمصانع في العالم... كان قد تم التوصل إلى امكانية نقل الكلام بواسطة التيار الكهربائي ولكنه لم يكن بالأمكان اختراع جهاز يُمكِّن من تحويل هذا الاكتشاف الهام إلى هاتف يتيح الاستخدام على نطاق تجاري، فطلبت شركة وسترن يونيون(western union) من أديسون أن يحاول صناعة هاتف قابل للاستعمال العام وبعد بضعة أشهر تمكن أديسون من تسجيل هذا الاختراع وباعه على الشركة المذكورة بمبلغ مائة ألف دولار وكانت تريد أن تدفع له المبلغ كاملاً مرة واحدة لكنه لم ينس أيام الجوع القاسية فطلب من الشركة ان تدفع له القيمة أقساطا موزعة على سبعة عشر عاما ليضمن راحة البال خلال هذه السنوات لأنه خشي أن يغامر بالمبلغ في مشاريع خاسرة فأراد أن يؤمن مستقبله بهذه الطريقة.. أديسون و المصبــــــــــــاح الكهربائـــــــــــــــــــــــي كيف فكر أديسون في الكهرباء...؟ فى الخامسة عشرة اظلمت الدنيا فى بيته الصغير فافلس والده ومرضت امه فقبل العمل فى شركة ويسترن يونيون وسافر ابن 15عام ، ليبدأ الإقلاع وشق الطريق وحيدا معتمدا على إصراره وتصميمه وما ملك من علم ومعرفة ، وعندما اشتد الألم على امه فى احدى الليالى وقرر الطبيب انها تحتاج لجراحة ولكن عليها الإنتظار للصباح ، ودار حديث بسيط ، غير أنه أحدث تغييرا على العالم بأسره : - ولكن يا سيدى انها لا تحتمل الألم انه قد يقتلها من شدته قبل الصباح - وماذا استطيع ان افعل يا بنى احتاج الى إضاءة...! وسطر توماس فى مفكرته ...لابد من ايجاد وسيلة للحصول للضوء ليلا اقوى من ضوء الشموع هل ترون كم هى بسيطة مشاريع النجاح؟؟؟؟ ان توماس اديسون كان له فى كل لحظة مشروع ...ذلك انه كان دائم النظر حوله والإستفادة من كل الناس ...... كان مراقبا جيدا يتابع ويراقب ويجرب. رغم أنه سجل أكثر من ألف اختراع وهو رقم قياسي، لم يسجله أحد قبله ولا بعده، إلا أن الفتح الأكبر كان اختراعه المصباح الكهربائي واقدامه على إنشاء محطة لتوليد الكهرباء وإقامة شبكة لتوزيعه على المنازل والمحلات، فلقد كان الناس في كل الدنيا منذ وجودهم على هذه الأرض يعيشون ليلاً في ظلام حالك وبهذا الاختراع وبتصنيع معداته وأدواته ولوازم تعميمه وبتنظيم استخدامه تحولت المدن والبيوت والمحلات إلى أنوار ساطعة فكان هذا الاختراع وهذا التنظيم لاستخدامه نقطة تحول حاسمة في التاريخ الإنساني، فلم يكن أديسون مجرد مخترع باهر ولكنه رجل تنظيمي من طراز فريد فكأنه ينطوي على مجموعة من المواهب الخارقة في الاختراع والتنظيم والإدارة والتنفيذ والتسويق والدعاية فأنشأ محطات لتوليد الكهرباء وابتكر شبكات التوزيع وأنشأ مصنعاً لإنتاج اللمبات والأدوات الكهربائية بالجملة لتكون رخيصة وبذلك أضاءت المدن بعد إظلام ران عليها خلال كل القرون وانفتحت أبواب واسعة للعديد من الصناعات المتنوعة مثل صناعة الثلاجات والمكيفات والمصابيح والأفران والمكانس والمدافئ والأسلاك والكابلات والأعمدة والمفاتيح والغسالات وما لا يمكن حصره من الأدوات والأجهزة المنزلية والمكتبية. ففي عام 1810م عرض الفيزيائي البريطاني في همفري دافي (1778-1829م) لأول مرة مصباح القوس الكهربائي الذي يتألف من قضيبين مدببين من الفحم . يطبق على القضيب فلطية كهربائية عالية . وما إن يقترب القضيبان من بعضهما حتى يشتغل القوس الكهربائي بينهما بضوء براق . وقد بقي هذا المصباح خارج دائرة الاهتمام العلني والتجاري حتى عام 1880 نظراً لعدم توافر منابع الكهرباء القوية.بعدها بعدة سنوات قرر توماس أديسون الأمريكي البحث عن طريقة لتقسيم الضوء الكهربائي الصادر عن مصباح القوس الكهربائي إلى أجزاء صغيرة بحيث يمكن استعمال بعضها في المكان المطلوب وذلك حسب حجم المكان ودرجة الإضاءة المطلوبة ، بحيث يمكن تزويد جميع هذه الأجزاء بالكهرباء من محطة توليد مركزية .